وقفتُ يوماً أمام الأشجار، وكنتُ محاصرةً بين أوراقها البنيّة الميتة في كلِّ الأنحاء، ومن جانب آخر الشغف يبتسم لي. نظرتُ للسّماء الواسعة، والشمسُ تلقي التحية عليَّ، والريحُ تسحبني للجري وراء عصافير الربيع.

كان كلّ شيءٍ مختلفاً، قضت العواصفُ على أوراقٍ انتهت أجلها، وأخذت مكانها أوراق مشرقة ترقص بحرارةٍ، محتفية بفصل جديد. كان كلّ شيءٍ جميل، والأرضُ تُنادي لخوض مسارٍ استثنائي، والنسيمُ يُغازلُ الوردة المتألقة التي خرجت لتوها من أعماق التراب.

أغمض عينيّ، وإذ أنا أقفزُ بحرارة فوق كلّ الأوراق الميتة. وألحّن أنغاماً مستقبليةً، معلنةً عن موت ماضٍ لا يفترض أن يبقى له أثراً وسط حلول فصلٍ جديد. مع أنّي، لا أؤمنُ بالتغيير الذي يأتي بموعدٍ واحد أنتظره مضيعةً للوقت، ولكن لعلّي أؤمنُ بالتغيير الذي يظهر في كلّ ثانيةٍ، ويجمعُ ما بين الشمس التي لا تغيب، إلّا لتشرق، والأوراق التي لا تتساقط، إلّا لتزدهر، على مدار كلّ يوم وكلّ ساعة.

لعلّي أؤمن بهذا التغيير الذي دوماً يعلن عن مستقبلٍ جديدٍ في كلّ لحظةٍ، والذي لطالما تعلمتُ عنه، ومنه، في أعواميّ العشرين السابقة التي عشتها، لآتي في أول يومٍ من عاميّ الواحد والعشرين، وأكملُ في هذا المسار، عاشقةً لكياني أولاً، ثمَّ أحلامي، ثمَّ مشقتي وأنا أكتشفُ في أحلامي عمّا يرهقني، ولكنّه يروي عطش شغفي. فلعلّ أستاذي الصحافة المتألق، موسى برهومة، صدق حينما وصف المتاعب التي نبحثُ عنها، بالجميلة.

إنّي أشكره شكر الجزيل، وأشكر كلّ من بقي معي، من عائلةٍ، ورفقةٍ، واخوةٍ لم تعرف زهور محبتهما أية حدود بالازهرار. أشكر كلّ من ساعد في صناعة هُويتي، حتى وإن لم يدرج في قائمةِ التجارب الجميلة. ففي النهاية لا أنكر بأنّي أصبحت أحداً ما، باسم ما، وبصمة ما، تعطر أثارها السّماء أثناء تحليقي في أفاقٍ واسعة، لا تعرفُ أية حدود، بينما أرى ذاتي في كلّ نجمةٍ أصطادها.