قال أستاذ الفلسفة في جامعة بوضياف المسيلة في الجزائر، يوسف بوراس، إنّ وراء كلِّ تغييرٍ في المجتمع سؤالٌ يولّد الفلسفة التي تساعد العقل في التشكيك، ليخرج من حالةٍ دوغمائية تسبب له الجمود الفكري.
ويُعرّف معجم المعاني الفلسفة بالحكمةِ في الأصل، ومحبّة الحكمة. وصار يُقصدُ بها “كلُّ الأفكار المستنبطة بالعقل وإعمال الفكر حول الموجودات، ومبادئها، وعللها”.
وأفاد بوراس في هذا الإطار أنّ للفلسفة القدرة على تحليل الخطاب والنقد للطلّاب في سن المراهقة خصوصاً ما بين الـ15 و18 سنة. حيث تمنحهم القدرة على فهمِ ومناقشة مختلف الأمور الاجتماعية.
ومن جهتها، أعربت أستاذة الفلسفة من جامعة باجي مختار عنابة في الجزائر هناء العلالي أنّ للفلسفة ضرورة في توجيه السلوك وإثراء الثقافة ومحاربة مظاهر العنف والهيمنة.
وأضافت أنّ الفكر الفلسفي يعلّم المبادئ والقيم العالمية الإنسانية وتتضمن الحوار والخير والاختلاف. وأشارت إلى أنّ توليد الفلسفة هي محاولة لإسترجاع الإنسانية بعيداً عن عالمٍ يفقده القدرة على التمييز. كما أنّها “تزرع روح التحرّر”.
وأردفت على الصعيد النفسي أنّ للفلسفة أجوبة عديدة عن الأسئلة التي تثير مخاوف الموت والحياة وتقدم علاجاً للعلل. كما تقضي على نوبات اليأس وترشد إلى السعادة التي تشمل رضى النفس والأمل والرغبة.
أسس الفلسفة

يُشار إلى أنّ للفلسفة مناهج غربية متعددة، أبرزها “المنهج الجدلي” للفيلسوف الألماني جورج هيغل. وأثبت من خلاله أنّ سير التاريخ والأفكار يتم بوجود الأطروحة، ثمَّ نقيضها، ثمَّ التوليف بينهما، حسب موقع “ويكيبيديا”.
وتتضمن أيضاً منهج “المادية الجدليّة” للفيلسوف والمؤرخ الألماني كارل ماركس. حيث طورها من خلال مزاوجة “مادية فيورباخ الساكنة” مع “مثالية هيغل التاريخية”. وتؤمن بالتطور وفق قوانين الديالكتيك الثلاثة وهم: نفي النفي، وحدة صراع المتناقضات، تحوّل الكم إلى الكيف، حسب “ويكيبيديا”.
وتدرّس من ثلاثِ مباحثٍ أساسية، حسبما ذكرته أستاذة الفلسفة العلالي، وأولها علم الوجود. حيث يبحث دارسها عن أصل هذا الكون والوجود الإنساني، بالإضافةِ إلى مجال الميتافيزيقا الذي يركّز على المفاهيم والتصورات المافوقية.
والمبحث الثاني هو مبحث المعرفة، والذي يكشف عن أصول إمكانية المعرفة، ومدى إمكانية الوصول إلى حقيقةٍ ثابتة.
والمبحث الثالث هو مبحث القيم، والذي يتضمن دراسة الأخلاق وفضائل الخير والشر وعلم المنطق الذي يعلّم قواعد التفكير السليم، بالإضافةِ إلى علم الجمال والفن. والهدف منه هو البحث عما يجب أن يكون عليه الشيء، حسبما ذكرته العلالي.
شروط
وللفلسفة عدة شروط، كما ذكر أستاذ الفلسفة بوراس، قائلاً إنّ “على الشخص أنّ يكون ملماً بالثقافة، والعلم، والمعرفة، واللغة. حيث إحدى أدوات التفلسف المهمة جداً هي اللغة”.
وعلى صعيد اللغة، للفلسفةِ ثلاث لغات مختلفة: لغة علمية وأدبية وفلسفية “لها لغتها الخاصة لا يمكن فقد قوتها”، كما وضّحت أستاذة الفلسفة العلالي. وللقراءة الفلسفية درجات. درجة المبتدئين، ثمَّ المتوسطين، ثمَّ المتمرسين في القراءة الفلسفية، وصولاً إلى نقد النصوص الفلسفية.
وأشارت العلالي إلى أنّ التلاميذ في أول دراسةٍ لهم للفلسفة يتعجبون من صعوبة المصطلحات وغموض المفاهيم الفلسفية لأنهم “غير مختصين ويفتقرون لقراءة الكتب الفلسفية”.
ووضّحت أنّ المناهج الفلسفية أغلبها غربية، وكَتَب فلاسفة غربيون نصوصاً بلغاتٍ مختلفة مثل اليونانية، والألمانية، والإنجليزية. وهذا قد يكون سبباً لإيجاد الطالب صعوبةً في فهم النصوص باللغة الأصلية، ويستدعي الحاجة إلى الإستعانة بمتخصصٍ في مجال الفلسفة لمساعدته بفهمها.
هل تتعارض الفلسفة مع الدين؟

شكّلت الفلسفة جدلاً واسعاً على السياقِ الديني منذ الفلسفة المسيحية مع القديس أوغسطين. حيث حاول الجمع بين العقل والنقل وصولاً إلى الفلسفة الإسلامية. وجرى نقاش بين قائلين عن وجودِ علاقةٍ بين الفلسفة والدين لأنّ في القرآن الكريم دعوة لإعمال العقل في آياتٍ قرآنية كثيرة، حسبما أفادته أستاذة الفلسفة العلالي.
وأضافت العلالي في هذا السياق: “رجال الكنيسة هم الأوائل الذين يرفضون النظر العقلي في الدين. ويأتي بعدها رجال الدين والفقهاء الذين ذهبوا إلى تحريم الفكر الفلسفي وإدانة من يتعامل معه لأنّه يضر بالشريعة ومقاصدها من خلال التأويل. كما تم تبديعهم وتكفيرهم كما حدث مع العالم المسلم الفيلسوف أبي حامد الغزالي والفقيه والفيلسوف ابن تيمية”.
ومن جهته، صرّح مصدر من مركز الإفتاء في أبو ظبي رفض الفصح عن اسمه أنّ “الفقهاء وعلماء الشريعة الإسلامية يفرقون بين العلوم المنطقية التي كانت تؤخذ من اليونان “فيها الكثير من الأمور التي لا تناسب العقيدة”، وبين أن تدرّس قواعد فلسفية لا تتصادم مع الشريعة الإسلامية والتي يتم تدريسها “على شكل تسلسلٍ ومراحلٍ تاريخية. وهذا هو الذي لا تعارضه الشريعة الإسلامية.
تفكيرٌ نقدي
وعلى صعيدٍ آخر، يعتبر أستاذ الفلسفة بوراس إنّ الفلسفة والدين لا يتناقضان إلّا عند وجود فرقٍ واحد بينهما وهو أنّ “الدين يمثل الحقيقة المطلقة، بينما الفلسفة هي البحث عن الحقيقة”.
وأعرب عن أهمية التفكير النقدي مشيراً إلى “أنّ لدى الفرد عقل. فلماذا لا يستخدمه؟”. وأضاف متسائلاً: “الديانات السماوية عادةً تأتينا من طرفِ إله. ونحن لا نناقش هذه الأمور. ولكن الله زودنا بعقل. لماذا زودنا بعقل إن لم نكن سنناقشها”؟ واستعان بمثالٍ ديني قائلاً إنّ “إبراهيم عليه السلام طلب من الله أن يريه كيف يخلق الكائنات”.
وأردف في هذا الإطار: “نحن لا نطوِّر الدين، إنما نحاول أن نجيب على الأسئلة الوجودية التي غرسها الله في فطرتنا”.
ومن جهتها، أفادت أستاذة الفلسفة العلالي أنّ الفلسفة لا تضر بالدين بقدر ما تساعد على التفسير والتأويل العقلي لبعض المفاهيم الدينية، مستعينةً بمقولةٍ للفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون حيث قال إنّ القليل من الفلسفة قد يؤدي إلى الإلحاد، أمّا التعمق فيها يؤدي إلى معرفة الدين.
ما هو الأسلوب الأمثل لتعليم الفلسفة؟
ما هو الأسلوب الأمثل لتعليم الفلسفة؟ تتضمن أساليب تعليم هذا الحقل الواسع والثري عدداً من النقاط المهمة التي يجب اعتمادها ومنها التي يجب تفاديها، يتحدّث عنها الصحفي محمد عبيدلي في التقرير الإذاعي التالي.
Leave a Reply