كثيراً ما تسألتُ وأنا أحدّق في عينيها كيف للتواصل أن يكون سهلاً، أو من الممكن إتقانه بصعوبةٍ على الأقل، مع من لا يستطيع نطق الأبجدية أساساً. وقد أكتشف حينها أنّ في عينيها بستان ورودٍ، تزدهر حين تكون سعيدة، وتذبل حين تحزن.
ورغم صغر سنها إلّا أنّها تملك غاياتها، التي تكافح للوصول إليها، حتى وإن تلعثمت بكافةِ الأبجدية، لتعبّر عن مدى أهمية الوصول.
ومع ذلك ما زلتُ أجد صعوبةً بمعرفةِ ماذا تريد، في كلِّ مرةٍ أرافقها. ماذا تريدين يا زينة؟ لا أملك جواباً، ولا هي تملك. لا تملك سوى الضحك، والهروب مني لتستمر بما كانت تفعله، رغم أنّه ممنوعاً، ولكنّها تجد المتعة فيه.
وحينها أقول، إن لم ينجح الحديث، لعلَّ التأمل ينجح، التأمل بكائنٍ صغير يتسع في داخلها كمّاً هائلاً من الحياة. تجد المتعة بكلِّ ما هو مختلفٌ عنها وعن احتياجاتها، حتى لو كان ممنوعاً.
ترى المتعة حين تخرج حتى وإن وقفت أمام باب المنزل فحسب. تنظر في أفاق ما لا تعرف عنه شيئاً من السماء والأرض والأقحوان، ولكنّه يبث السعادة فيها.
تجده بين جذوع الأعشاب، وبين حقولِ أوراق الشجر. تجده حتى في صورةِ انعكاسها على المرآة. تجد وجهاً غير مألوف، ولكنّه سيرافقه طيلة حياتها، التي أتفائل مع كلِّ حبي لها، أنّها ستكون جميلة.
ولمتعتها ألفُ عنوان، لا تتوقف حتى وإن طالبها الأمر لمطاردة القطط والكلاب الأليفة في الحي. وبنسبةِ لشخصٍ لا يحب كليهما فإنّي لا أعرفُ ما الذي يميزهم، ويجعلها مهووسةً بهم، ولا أعرف من أين تأتي كلُّ هذه الجرأة، بنسبةِ إلى شخصٍ يخاف من النملة.
لا أفهم شيئاً. ولكن حين يظهر واحدٌ منهما، تنظر إليّ، وكأنّها تلمح أنّها لن تذهب إلى أي مكان، بل تفضّل الركض ورائهما. وتداعبهما، وحتى تحادثهما، لعلَّ ما لفت انتباهها هو كائنٌ غريبٌ عنها، بلغته، وشكله، وطرق عيشه.
ولم أكن لأفكر بشيءٍ آخر، باستثناء الخوف عليها، أو حتى من جرأتها، سوى لمعان عينيها وهي تتلألأ أثناء أي شيءٍ تفعله. حتى ولو إن كانت فقط تطالع الرصيف أمامها بدهشةٍ كبيرة وهي ترى ما لم تره من قبل.
وثمَّ ينتهي يومها، وتتعب. لعلَّ أيامها تحمل أمامها الكثير لتتعرف عليه، سواءً بطريقةٍ واقعية أو خيالية، ولتعبّر عنه.
ورغم حاجز الكلام، إلّا أنّ في عينيها أسمى معاني العيش، وفي ابتسامتها أسمى معاني الإشراق والألوان، التي تجعلني أخوض معها حواراً من نوعٍ آخر.
حوار استثنائي أختتمه بحبي اللانهائي لها، ربما ليس بالكلمات، ولكن بتشابك قلوبنا، ووجودي بجانبها، الذي يزيّن أيامي، ويضيءُ نورَ السماء بيومٍ آخر معها.
Leave a Reply