من تجاربي النادرة في قراءة أدب الرسائل، كان كتاب “رسائل سيلفيا بلاث” قد احتل مساحةً كبيرةً من قلبي. الشفافية، وعمق حوار الكاتبة وصاحبة هذه الرسائل، سيلفيا بلاث، جعلاني أعيشُ تفاصيل حياتها والغرق في عالم أفكارها. أبتسم لسعادتها، وأحزنُ لاكتئابها، وأنصدمُ أيضاً اتجاه انتحارها.

ما بين رويتنها اليومي، وقضاء الوقت مع صديقاتها، وحبّها لعائلتها وخصوصاً والدتها، أحببتُ إحساس بلاث، الذي تعمقت بالكتابة عنه ببراعة. لعلّها كانت إنسانةً ممتنةً لكلِّ ما يجري حولها، حتّى وإن كان بسيطاً؛ عاشقة للطبيعة ومشاهدة النجوم؛ انطوائية في بعض الأحيان؛ كرهت الماديات واهتمت بالدراسة، والكتابة، وفلسفات الحياة، والدين. فكانت مسيحية غير متدينة اختارت أن تكون موحدة نظراً إلى كرهها لتعاليم الكنيسة، وكان تفكيرها عموماً يأخذُ مساراً مختلفاً من غيرها.

سئمتُ من مصادقةِ فتيات اللائي لا يفكرن بشيء سوى فساتين الحفلات والأولاد الذين يهتمون فقط بالمال والوجوه الجميلة. من الجميل العثور على شخصٍ يتحدّث عن أفكارِ الحياةِ والدين. أعتقد أنّ الرفقة الروحية ضرورية للغاية في عالمٍ فيه الكثير من السطحية وعدد قليل من عوامل الجذب… من رسائل سيلفيا بلاث (1946-1950) صفحة 123

ألهمني تحلّيها بالإيجابية رغم الاكتئاب والمرض النفسي، فأسلوبها الساخر في كتابة الرسائل أخفى حزنها وراء انطباعها المتفائل اتجاه الحياة. كانت إنسانة طموحة ليس فقط بعملها وجهدها، حيث شاركت في فعاليات عدّة ولها منشورات كثيرة، بل في نقدها الذاتي، حيث يُظهرُ التسلسل الزمني للرسائل نضوجها على مدار الأيام مع كلِّ موقفٍ أو مشكلةٍ تواجهها.

وحبّها للحياة أدى بي للوصول إلى نهاية تعيسة جداً. فلعلَّ اكتئابها لم يختبئ طويلاً، ولم تحظى بقصّة حبٍّ مبهجة نظراً إلى خيانةِ زوجِها لها، مما أدى إلى انتحارها لاحقاً. ورغم النهاية التعيسة، إلّا أنّ تفاصيلها ستظلُّ محفورة في قلبي. فلعلّه من النادر جداً أن ينظر شخص للحياة بغير الماديات والتفاهات التي تجعلهُ ينسى أعمق معانيها المتعلّقة بالدين، والشغف، والحبّ، والعائلة، وأن يركّز على تحقيق أهدافهِ.

من الطبيعي أن أكتئب أو أغضب في بعض الأحيان، أو أن أكون مُتعِبة وغير مريحة في التعامل. لكن يبقى هناك المبدأ الإنساني الذي ينصُ على أنّه دائماً وبغض النظر عن مقدار ما يتم الاستغناء عنه، يبقى شيء ليعاد بناؤه مرة أخرى… من رسائل سيلفيا بلاث إلى والدتها

أنظر أيضاً: ضِحكت تاني: جولة فلسفيّة تبعث الأمل والحبّ والحياة