اختلفت آراء متخصصين بشأن جائزة “مان بوكر” البريطانية. فعلى الرغم من اعتبارهم بأنّ الجائزة لعبت دوراً كبيراً في تطوير الرواية العالمية، إلّا أنّها تبنت إلى حدٍ ما رؤية قائمة على المركزية الغربية، وافترضت موقعٍ هامشي للآخر، وفقاً لما قالوه المتخصصين، مشيرين إلى اختراقات أو انحيازات في إجراءات التحكيم.
سلّط أستاذ الأدب المعاصر في جامعة الشارقة، غانم السامرائي، الضوء على اختراقات لدى جائزة “مان بوكر” البريطانية بالاستناد إلى أعمالٍ روائية من آسيا، وإفريقيا، وأميركا اللاتينية، والكاريبي في محاضرة بعنوان “جائزة مان بوكر بين المركزيّة الغربيّة وريادة الاتجاهات السرديّة والمعاصرة”.
وتحدّث السامرائي في المحاضرة التي كان النادي الثقافي العربيّ في الشارقة قد نسقها في مقره وعلى منصة “زووم”، عن الاختراقات التي “جاءت تحت تأثير أعمالٍ روائية قادمة من أطرافٍ متعددة تتضمنُ الهند ومنشورات لنجيب محفوظ في الرواية المصريّة”. وأشار إلى أنّ جائزة “مان بوكر” “مبنية على مفاهيم غربية ناشئة من إرث استعماري لا يعطي أهمية وقيمة لكلّ ما هو ليس غربي”.

والانحيازية في إجراءات التحكيم لا تتعلّق فقط بجائزة “مانبوكر” البريطانية، بل بجوائز مشهورة عديدة. أفاد الأكاديمي والأديب، أدهم مطر، في تصريحٍ خاص عبر “زووم”، بأنّ “هناك خطين متوازيين يخص الفعل، سواء كان أدبياً أو لبحث ما. الخط الأول يشمل مفهوم خلفية فكريّة تتضمن خلفية أدبيّة، وعلميّة، ودينيّة وبيئيّة، والخط الثاني يشمل الشخصنة، وعوامل حسيّة وشعوريّة تؤثر على عقلية المحكّم”.
جوائز مان بوكر مقابل الجوائز الأدبية

وعمّا إذا كانت الانحيازات متعلّقة بمواقفٍ ما ضد حضارات أو ثقافات، أكّد الأكاديمي والشاعر، طلال الجنيبي، في تصريح خاص عبر (الواتساب)، بأنّه “ثمة عناصر مثل رؤى سلبية مسبقة وتراكمات في العقلية متعلّقة بقضية، جنس، أو موضوع قد يؤثر على القرار”.
وهنالك ما يسمى ب”المؤثرات التضاد التي قد تخالف خلفية المحكم الفكريّة. فإن كان العمل يُظهر وجهة نظر معاكسة لهذه لخلفية المحكّم، فسيرفض هذا العمل”، وفقاً لما قاله الأكاديمي، مطر.
و“الأمر ليس قابلاً للتعميم، إلّا أنّها مسألة ظاهرة”، حسبما اعتبره الجنيبي.
ما هي جائزة “مان بوكر”؟
تأسست الجائزة الأدبية المخصصة للأعمال الروائية باللغة الإنجليزية في 1969، وكان اسمها “بوكر ماكونيل”. وعندما بدأت بالتوّسع في 2002، أصبح اسمها “مان بوكر” تبعاً لمؤسستها الجديدة، وفي 2019، أصبحت “بوكر الدولية”، وفقاً لموقع “ويكيبيديا”.
وتُمنح الجائزة سنوياً لعمل واحد مترجم إلى الإنجليزية ومنشور في بريطانيا أو أيرلندا. ويتقاسم المؤلف والمترجم القيمة المالية للجائزة قدرها 50 ألف جنيه إسترليني.
وتفرعت من “البوكر” عدداً من الجوائز العالمية للرواية. وتتضمنُ الجائزة العالمية للرواية العربيّة في 2007، بالشراكة بين مؤسسة “بوكر”، وهيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، ومعهد “وايدنفيلد”، حسب “ويكيبيديا”.


وفي 2006، كانت المرة الأولى التي يصل كتّاب عرب إلى جائزة “البوكر”. حيث وصلت رواية “في بلاد الرجال” للكاتب الليبي، هشام المطار، إلى القائمة القصيرة”، وفقاً لما قاله السامرائي في محاضرته. وأشار إلى أنّ وصول الرواية إلى هذه المرحلة يعتبر “اختراق جدار الهيمنة الغربيّة”.
هل ستتغير الهيمنة الغربية؟
ورغم ذلك، اعتبر السامرائي، أثناء حديثه عن هيمنة المفاهيم الغربيّة في اختيار الأعمال، أنّ الجائزة “لن تتجرد كلياً من تلك المفاهيم”. وشدد على نقاط مطلوبة عدة للخروج عن هذا السياق، وهي أن “تحيلنا الركائز التاريخية إلى نقاشات معمّقة لمجابهة المزاعم الغربيّة”.
وهذه النظرة، حسبما أضاف السامرائي، “يمكن دحضها من عدّة جوانب تتعلّق بحقائق تاريخ الموضوعية. والنصوص الإبداعية أينما جاءت يمكنها السفر عبر الزمن والحدود الجغرافية والثقافية”. وشدد أنّ “لكلّ مبدعٍ غير غربيّ الحق في الإبداع وألّا يُحاكم بمنطق نقدي، ثقافي، غربيّ ضيق”.
ولتفادي الاختراقات والانحيازات عموماً، ينصحُ الجنيبي بـ”الاختيار المسبق لشخصيات تتسم بالموضوعية لضمان تأثير أقل على الموضوعية في اتخاذ القرار”. وتابع: “معاداة ذلك، فهو من الصعب فرض أي ضوابط لأنّها مسألة تكمن في القناعات والرؤى الداخلية للذات. ومن الصعب قراءتها خلال المعرفة المسبقة للتوجهات ومضامين فكر اللجان التي يتم اختيارها”.
ومن جهته، يحثُ مطر على “أهمية أن يكون المحكّم موضوعياً وحيادياً ومتوازناً أثناء الإجراءات. ويتوجب عليه تفادي أية عوامل قد تؤثر سلباً عليهما”. وأشار إلى أنّها قد تكون أيضاً “مشاكل شخصية أو إدمان وحرمان من المواد التي لا يستطيعُ الشخص التخلّي عنها”.
“هيمنة” المفاهيم الغربيّة: ما الأثر؟
رغم هيمنة المفاهيم الغربيّة في اختيار الأعمال التي أشار إليها أستاذ الأدب المعاصر، السامرائي، في جلسته، إلّا أنّه شدد على “أهمية الانفتاح الذي شهده العالم العربيّ للعوالم الأخرى فكرياً واجتماعياً”. وأشار إلى أنّه “لا يتفق مع العرب الذين يعتبرون بأنّ الأخذ بتقنيات قادمة من الغرب يولّد ما يسمّى بـ”التقليد الأعمى”.

وبرأي الجنيبي، عمّا إذا كان الانفتاح إلى عوالم أخرى فكرياً واجتماعياً قد يؤثر سلباً أم إيجاباً على الشعب المتلقيّ، أكّد أنّها قد تتسبب بالـ”تقليد”. ولكن “اللجوء إليها مع وعي كافي، وإدراك ماهية التقنيات والحدود، وما يتلأم مع الظروف وتقنيات الكتابة المحلية، قد يضيف على فهم حدود المتشابه والمختلف وما بين الثقافات للانفتاح للعوالم الأخرى”.
ومن جهته، يعتبر مطر أنّ “هناك أشياء لم يصل إليها العربيّ بعد. وهذا يجعلُ المقاييس الغربية يُبنى عليها جودة ما نفعله”. واستشهد بأمثلةٍ للثورة الصناعية في بريطانيا، “عندما انتقلوا إلى الميكانيك من الفحم الحجري، والتي اعتبرت نقلة نوعية في العالم”.
فالعالم العربيّ، أضاف مطر، “اعتمد على أدوات نقل بدائية حيث تراكم المعرفة، والعلوم، والتراكم الحضاري الناتج. وهو الذي يعمل ازدهاراً في المجتمع”، واستدرك: “ثمة عقول عظيمة في العالم العربي وكمية علماء عرب لا تعدّ ولا تحصى، ولكن التطبيق هو الذي يلعب الدور”.
Leave a Reply