في وسط الصحراء تنبض الروح المتمردة للكاتب الليبي الطارقي إبراهيم الكوني؛ الكاتب الذي عايَش انعزاله وتعمّق بأسئلة وجودية ورسائل إنسانية كثيرة.  

ما بين محطة وأخرى وسط مسيرة أدبية وصحفية وفلسفية، ولِد دستور يفسر جذور كينونة الإنسان وصِلته مع الطبيعة. وعلى رأس الدستور تقع صحراء “الأم” المخلدة في كلمات وحكايات الكاتب. فما هو الدستور الخاص بإبراهيم الكوني؟ ومن هو، بعد تطورات عايشها في عمق القلب والذاكرة والجغرافية؟

دستور إبراهيم الكوني

مُلهماً من فلاسفة كِبار، يرى الكوني أن كل إنسان يسكنه جنين ينمو في أعماقه ويمضي حياته في التفتيش عن مكانه المناسب. والإنسان مسؤول عن احتضان الجنين والبحث عن المكان، وعليه أيضاً ألّا ينسى أن الحب أولى الأشياء التي يتوجب الحفاظ عليه.

ويعتبر الكوني أن على الإنسان تفسير ما في دواخله لتحديد مدى نجاحه أو فشله عبر تفعيل حِكمته في الحياة. فالإنسان لا يأتي للهو أو تلبية رغباته وإنما يسعى لتأدية واجبه، والواجب يجذب السعادة. ويعلل إبراهيم الكوني ذلك بأن الحياة رحلة ألم وتنفيذ الواجب يستدعي التضحية ونزيف الروح. ويرى أن لكلًّ من حاول الاستيلاء على العالم وخداعه، تجربة حياتية فاشلة حصدت “لعنات من الله والشعب”.

وما هي الحقيقة؟ ما هو الـ”شيء” الذي يُعطي للعالم والإنسان بالأخص أهمية عُظمة؟ وهل يتعارض القدر مع الإرادة؟ يجيب الكوني بأن الإنسان هو السؤال واللغز وعليه البحث عن هذه الأجوبة للأسئلة الوجودية، والعُزلة هنا مفيدة لاستنطاق ما يسكن الإنسان وملاحظة ما يسميه إبراهيم الكوني بـ”الهم الكينوني” بشكل أوضح.

ويقول إبراهيم الكوني إن القدر “لا يتواجد مع الإرادة” وعلى الإنسان أن يظل يحلم ويسعى وراء حلمه لأن حلمه سيتحقق. فـ”الإنسان هو الذي يصنع قدره”. ويرى أن تحقيق الحلم يعتمد على مدى إرادة الإنسان للتضحية، مستعيناً بأقوال الفيلسوف الألماني، إيمانويل كانط: “لا يوجد شيء نستطيع تخيله إلا لأنه موجود”.

ما بين العالم الخارجي والعالم الروائي

في أعماق الصحراء وسط النجوم يكمن السكون والوجود ودليل النجاة. فهنا يتجلى هذا الامتنان الذي جعل إبراهيم الكوني يخلد الصحراء في معظم رواياته. حيث واجه أسئلة كثيرة عن حبه الكبير للصحراء خلال مهرجان طيران الإمارات للآداب.

يعتبر الكوني أن الصحراء مليئة بالأسرار ومظلومة لأنها قليلة التعبير.. إلى كتب وروايات يقول عنها إنها تجسّد الصحراء كمصدر الأساس نظراً إلى أن حياة بدأت مع سيدنا آدم في الصحراء في بدايات الوجود.

ولشخصيات رواياته بُعداً خلّاقاً، إذ يؤكد إبراهيم الكوني على ضرورة أن تصبح شخصية الرواية جزءاً من وجدان الكاتب حتى يتمكن من تصويرها بعمق. حيث يعتبر أن “إفناء الذات” عنصر يصطف جنباً إلى جنب مع أهمية المخيلة في كتابة الرواية.

ولدى إبراهيم الكوني امتنان عظيم للمرأة الطارقية. يعتقد أن المرأة في عالم الصحراء هي الربة ذات الأحادية والفارس الأول الذي حافظ على وجود هذه القبيلة. اعتبرها ليست أماً وزوجةً فحسب بل راعية لكل ما يتعلق بالوجود، بالإضافة إلى كونها مخزون الحب والمعلمة واستطاعت أن تُدير كافة الشؤون.