“اُستهدف البيت واستشهدوا أخي وأختي وأطفالي وبقيت أنا الناجي الوحيد”. “أعيش في خيمة ليست ملكي، طبعاً دون وجود لأبسط مقومات الحياة؛ فراش، أغطية للملابس، أحذية، والغذاء”. هذه بعض الشهادات والتجارب التي جمعتها شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية (أريج) من 383 صحفيّ فلسطينيّ عايش الحرب الإسرائيلية على غزة.
ويُذكر أنّ إسرائيل بدأت بقصف القطاع بعدما شنت المقاومة الفلسطينية، حماس، هجوماً على مستوطنات غلاف غزة. وسمته عملية “طوفان الأقصى”، رداً على ما ارتكبه الاحتلال الإسرائيلي من جرائم طيلة السنوات الماضية. وأسفر الهجوم الإسرائيلي المستمر حتى اليوم عن استشهاد قرابة 45،000 فلسطينيّ وقتل 192 صحفيّ منهم، وفقاً لقناة الجزيرة.
وبحسب الاستطلاع التي أجرته “أريج” على الصحفيين المقيمين حالياً أو ممن كانوا في القطاع خلال هذه الفترة، فقد خسر 7 منهم طفلاً أو أكثر من أبنائهم نتيجة الحرب. وفقد 22% أي 84 منهم فرداً واحداً على الأقل من عائلاتهم، يصل مجموع الأفراد إلى 576 على الأقل.
وكانت الشبكة قد عملت على هذا الاستبيان في الفترة ما بين 25 تشرين الأول (أكتوبر) و7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024. وكان، بجانب موضوع سلامة الصحفيين والتحدّيات التي تواجههم في قطاع غزة، محط النقاش في ملتقى “أريج” السنوي في عمّان. حيث عُقد بنسخته السّابعة عشرة من الفترة ما بين 6-8 كانون الأول (ديسمبر) 2024.
“استهداف إسرائيليٌّ متعمد”
“هنالك قرار إسرائيلي حتمي بقتلنا ومنع الرواية الفلسطينية من التداول” وفقاً لما أعربته مراسة إذاعة مونتي كارلو الدولية، شروق أسعد.
تحدّثت أسعد في جلسة بعنوان “السلامة أولاً: دور المحرر في تغطية الحروب” عن تجربتها الممتدة لأكثر من 30 عاماً في تغطية الحرب الإسرائيلية على غزة وفلسطين. وواجهت العديد من “الاعتقالات ومنع القيام بالعمل واعتداءات بالضرب والإهانة والتهديد بالإضافة إلى تكسير المعدات والمنع من الوصول إلى غزة”.

ومن جهته، أشار صانع الأفلام الفلسطينيّ، أشرف مشهراوي، في جلسة أخرى بعنوان: “أقصى درجات الشجاعة وسط انعدام الأمان: دعم الصحفيين والصحفيات في غزة” إلى “حاجة الصحفيين الماسّة للمساعدة. ففي الأشهر الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة، ساعدت “أريج” صحفيّن بناءً على طلبٍ شخصي فقط. ولكن تزايد الطلبات أعاد التفكير بالأمور بطريقة مختلفة”.
ومن جهتها، “سعت جمعية “فلسطينيات” إلى دعم أكثر من 800 صحفي وصحفية بمبالغ تراوحت ما بين 200 و500 دولار أمريكيّ بالإضافة إلى توفير السكن والطعام والشراب. وكان التركيز بشكل أكبر على النساء ومنهن من ولدن حديثاً” وفقاً لما أفادته مؤسِسة الجمعية ومديرتها، وفاء عبدالرحمن.
وأضاف مشهراوي: “لا يملك الصحفيون المعدّات الكافية أو يفقدونها باستمرار. والبعض قُصف مكان سكنه، مما خلق حملة واسعة لتقديم المساعدات، مثل توفير الحماية وأساسيات الحياة بالإضافة إلى المعدّات اللازمة مثل أجهزة اللابتوب”.

انعدام أمان الصحفي في غزة وسط الحرب الإسرائيلية
“وكثيراً ما يواجه الصحفيون انعدام الأمان وخصوصاً عند ارتداء السترة الصحفية. ويضطرون في الكثير من الأحيان للتصوير عبر أجهزة الآيفون تفادياً للمخاطر التي تشكلها الكاميرا على الصحفي” وفقاً لما أفاده مشهراوي. فبحسب استبيان “أريج”، 92% من الصحفيين فقدوا معدّاتهم أثناء العمل. و91% منهم قالوا إنّهم لا يمتلكون أيّ معدّات للحماية مثل خوذة وسترة الوقاية المكتوب عليها (صحفي).
إلى ذلك، 49% من الصحفيين الذين شاركوا في الاستطلاع خسروا وظائفهم و21% تعرضوا لإصابات. و88% دُمرت منازلهم في الكامل بينما 96% منهم نزحوا من بيوتهم. والثلثُ منهم نزحوا لأكثر من 8 مرات. وقال 13 صحفي أنّهم اعتقلوا، بينما يعيشُ 60% أي مُعظمهم في خيم في الوقتد الحالي.
وفي السياق، أعربت مراسلة “مونت كارلو الدولية”، أسعد، عن “خوفها من الاستمرار بعملها والذي يمكن أن يقتلها يوماً ما. فرغم الحرص على تقييم المخاطر ودراسة المكان قبل التغطية ولباس سترة الحماية، الاستهداف الإسرائيليّ لا ينتهي”.
واستدركت: “جميعنا متمسكين بالتغطية والالتزام بمعايير السلامة. ويتوجب ضغط المنظمات الدولية لإجبار إسرائيل على احترام حقوق الصحفيين ليس فقط دولياً بل في غزة وفلسطين كذلك”.
“ما زال هناك أمل”
بصرف النظر عن المخاوف، أكّدت أسعد أنّ “ما زال هنالك إيمان في دور الإعلام”. واستدركت: “هنالك خيبة أمل كبيرة بالزملاء الصحفيين في الغرب. فبعضهم تبنى الرواية الإسرائيلية دون تحقيق وتدقيق وموازنة ما بين الطرفين الفلسطينيّ والإسرائيليّ.
وأشارت إلى “اعتبار ما يجري من اختراقات قانونية ضد الصحفيين بأنها فقط محصورة على المشهد الفلسطينيّ، بينما يتوجب أن تُعتبر اختراقاً دولياً للصحفيين جميعهم نظراً إلى القوانين الدولية التي تنص الحفاظ على حرية التعبير والقيام بعملهم.”
ومن جهته، عبّر المدير التنفيذي لمنظمة “روري بيك”، والتي توفر دعم عملي ومالي للصحفيين المستقلين وأسرهم عالمياً ومساعدتهم في الأزمات، عن “خيبة أمله اتجاه الإعلام الغربيّ وفشله في الوقوف بجانب الصحفيين الفلسطينيين”.
وشدد: “الأهم هو الالتزام بالحيادية والمصداقية، وتجاهل ذلك يُعتبر خيانة للعمل الصحفي بأكمله”.
وبشعاره هذا العام “صحافة بلا حدود”، ينادي ملقتى أريج للحماية الصحفية وضغط المنظمات الدولية على احترام الحق الصحفي في القيام بعمله. إذ تنص اتفاقيات دولية على أهمية هذا الحق بالإضافة إلى ضمان الحماية والحرية الشخصية والسلامة الجسدية واعتبارهم مدنيين كغيرهم أثناء الحروب، وفقاً لموقع الاتحاد الدولي للصحفيين.
Leave a Reply