غابرييل غارسيا ماركيز (1927 – 2014) هو مؤلف رواية مئة عام من العزلة. وكان روائياً وصحفياً وناشراً وناشطاً سياسياً ولد في أركاتاكا، ماجدالينا في كولومبيا. توفي عن عمرٍ يناهز 87 عاماً في العاصمة المكسيكية ميكسيكو سيتي، حسب موقع “ويكيبيديا“.
يعد ماركيز من أعظم كتّاب اللغة الإسبانية، وحاز على جائزة نوبل للآداب في 1982. تتضمن منشوراته الحب في زمن الكوليرا والجنرال في متاهته ووقائع موت معلن. وكانت روايته مئة عام من العزلة هي الأكثر مبيعاً. تُرجمت للغاتٍ كثيرة وحازت على جائزة نوبل.

قرية من عشرين بيتاً من الطين والقصب، مشيدة على ذي مياه صافية، تنساب فوق فرشة من حجارة مصقولة، بيضاء وكبيرة، مثل بيوض خرافية – مئة عام من العزلة – صفحة 7
تحكي الرواية عن قصة ستة أجيال من عائلة بوينديا تدور كلّ أحداثها في منطقة ماكوندو المنعزلة. ويرويها ماركيز بلمسةٍ من الخيال الغرائبي والسحر، بينما يسردُ في الوقت نفسه، واقعاً في تاريخ كولومبيا وأميركا اللاتينية.
وصف الكاتب قرية ماكوندو ببداية الرواية على أنّها “قرية من عشرين بيتاً من الطين والقصب، مشيدة على ذي مياه صافية، تنساب فوق فرشة من حجارة مصقولة، بيضاء وكبيرة، مثل بيوض خرافية” (7).
ورغم انعزال القريّة، كانت متصلة مع العالم الخارجي حيث استقبلت اختراعات مختلفة وجديدة كان يجلبها الغجر برئاسة ميلكيادس. وهنا يصوّر الكاتب المنطقة التي تستقبلُ الحضارة والتطورات ولكنّها في الوقت نفسه مائلة إلى عاداتها وتقاليدها بانعزال نسبي عن العالم.
جعل ماركيز من الأجيال الستة مركزاً لفهم الأفكار الأساسية التي تتضمن دائرة الحياة وكلّ ما فيها من خيباتٍ، وآمالٍ، وفساد، وحروب، ومدى تشابه هذه الأحداث ببعضها. وأضاف لمسات سياسية وثقافية ودينية.


كان زواج المؤسس خوسيه أركاديو بوينديا من أورسولا أغروان مبنياً على مخاوف بالتعرض إلى نوعٍ من لعنة الحب. وتسببت سابقاً بإنجاب أحد الأقارب اللذان تزوجا كونهم من هذين العائلتين المختلفتين، بابن ذو ذنب خنزير.
وكانت هذه الاعتقادات جزءاً من حياة السكان هناك، والتي تضمنت أيضاً الرجوع إلى ماضي. حيث أنّ هذه المخاوف كانت موجودة منذ أيام جدة أورسولا وهجوم فرانسيس دريك لمدينة ريوهاتشا. كانوا يعيشون في المدينة قبل انتقالهم إلى ماكوندو بعدما قتل المؤسس صاحبه باسم الشرف، وبنى هذه القرية.
ورغم المخاوف، أنجبا ثلاثة أبناء. وهنا يُظهر الكاتب الوراثة من العائلة على مدى الأجيال. ويصور اختلافاتهم وجدالاتهم التي تسببت بانفصال العائلة لاحقاً ليذهب كلٌّ منهم في حياته.
مثلاً، توارث خوسيه أركاديو رصانة الجسد من أبيه. ولكن لم يتوارث المخيّلة الواسعة مثلما توارثها أوريليانو الذي كان أيضاً يستطيعُ معرفة ما الذي سيحصل في المستقبل.
كما انتقلت أيضاً هذه الصفات للأحفاد؛ المنعزل، والمحب للعنف، الاهتمام بالتنبؤات، المحب للتعليم والتطورات. ويُظهر الكاتب هنا أنّ الحياة دائرة، خصوصاً أنّ الأسماء متشابهة. هذا يعني أنّ الأحداث ذاتها تتكرر على مدار الأعوام مع أشخاصٍ مشابهين قادمين من العائلة نفسها.
وصوّر الكاتب كيف تؤدي الاختلافات بانفصال العائلة من بعضها لاحقاً. أحياناً قد تكون لأسباب حياتية، مثلاً مضى خوسيه أركاديو حياته في البحر يدور حول العالم. وأصبح أوريليانو كولونيل أوريليانو بوينديا قائد لليبراليين خاض حروب كثيرة. أو قد تكون بسبب أفعال فساد تسببت بخلافاتٍ من النواحي الثقافية والدينية. مثلاً، أنجب كولونيل أوريليانو 17 ابناً من 17 امرأة. وتزوج خوسيه أركاديو من اخته بالتبني.

على الصعيد السياسي، سلّط الكاتب الضوء على التغيير المستمر للحكومات خلال الحروب؛ من دكتاتورية إلى جمهورية إلخ. كما صوّر النزاعات التي كانت تحدث بين المحافظين والليبراليين، ومحاولة الوصول إلى هدنةٍ بين الحزبين في الوقت نفسه. وأظهر التناقضات الموجودة في المحافظ بحدِ ذاته أو الليبرالي.
المحافظ، حسبما وصفه الكاتب، كان مسيحياً ملتزماً يدافع عن دين المسيح. أراد استدامة السلطة من الرب مباشرةً، حفظ النظام العام والأخلاق الأسرية. ومن جهته، أراد الليبرالي انتزاع السلطات من السلطة العليا خلال النظام الفدرالي. وحث على تغيرات مثل زواج وطلاق مدني، شنق القسس، حقوق متساوية بين أبناء الطبيعيين والشرعيين ومنع تقسيم البلد.

إلى ذلك، صوّر ماركيز الفساد الذي يحل حينما يغيبُ العدل، ويخيم الغضب القادم من الإضراب والمظاهرات. على سبيل المثال، عندما أضرب عمّال شركة الموز عن العمل بسبب رفض متطلباتهم بإصلاح الكثير من الأشياء مثل عدم صحة السكن، ووجور ظروف العمل، حيث أدى إلى دمار شديد من إحراق مزارع الشركة، وتعطيل القطارات، وقطع أسلاك التليفون والتلغراف.

السلالات المحكومة بمئة عام من العزلة، ليست لها فرصة أخرى على الأرض –
مئة عام من العزلة، صفحة 500
وكانت هذه نقطة التحوّل التي واجهت ماكوندو من خلالها صعقات كثيرة، حيث قُتل آلافاً من عمّال الموز ورُميت جثثهم في البحر، جاءت أمطارٌ عنيفة استمرت لمدة أربع سنوات، أدت إلى مسح ماكوندو عن الوجود تدريجياً، لتعيدها مثلما كانت في البداية. حيث وجد أوريليانو رموزاً لميلكيادس كانت تروي تاريخ الأسرة قبل مئة عام من وقوعها.
ولم يرد الوقائع مرتبة وفق زمن البشر المتعارف عليه، بل ركّز قرناً كاملاً من الأحداث اليومية حيث تتواجد جميعها متعايشة في لحظة واحدة. وكأنّه كان من المقدر أنّ كلّ هذه الأحداث كانت ستحصل بأدق تفاصيلها وصولاً للنهاية.
ولم يكن لأوريليانو أن يخرج من هذه الغرفة لأنّه كان مقدراً لمدينة المرايا (أو السراب) أن تذروها الرياح وتُمحى من ذاكرة البشر في اللحظة التي يتوقف عن فك الرموز لأنّ “السلالات المحكومة بمئة عام من العزلة، ليست لها فرصة أخرى على الأرض” (500).

ما أعجبني في الكتاب
ما أعجبني في الكتاب هو الطرح العميق لواقعٍ قديم وثري بعددٍ كبيرٍ من الأفكار، أراد من خلالها الكاتب إيصال رسالته للعدل والسّلام.
وأحببتُ لغته الثرية بالوصف السحري ومزج هذا الواقع مع الخيال، إضافةً إلى مهارته بجذب القارئ ليخوض المغامرة مع هذه الشخصيات التي قالت الكثير.
وأُعجبت بابتداع ماركيز لمنطقةٍ جغرافيةٍ كاملة مع سكانها، وحياتها، وحكومتها، وأحداثها بأدقِ التفاصيل حيث شعرتُ كما لو أنّي أعيشُ معهم كافة هذه الأحداث بسبب واقعيتها، رغم أنّها خيالية.
ما لم يعجبني في الكتاب
ما لم يعجبني بالكتاب هي كثرة الشخصيات وتشابه الأسماء التي جعلتني أبذل جهداً كبيراً للتمييز بينهما وفهمهما. كما أنّ قراءة الكتاب عموماً كانت صعبة بسبب الأفكار الكثيرة التي طرحها وتطلب أيضاً جهداً لفهمها، كما أنّ الكاتب تطرق كثيراً إلى مشاهد من الماضي وسط الأحداث الجديدة، وكان من الصعب التمييز بين ما حدث حالياً، وما حدث في الماضي.
ما لم يعجبني أيضاً هو الكم الهائل من الخرافات وأخذ الكاتب لشوطٍ بعيدٍ جداً بالخيال والتفاصيل في التعبير عنها، حيث أنّي لا أحبُّ عموماً قراءة القصص التي تحتوي على السحر والخرافات.
Leave a Reply