إحياءً لذكرى ميلاد الأديب والمفكّر المصري، طه حسين، نظمت مكتبة محمد بن راشد بدبي أمسية ثقافية بعنوان “إحياء لذكرى طه حسين: الكاتب الخالد والمفكّر التنويري”، في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022.
وكان الحوار بين الكاتبة والناقدة المقيمة في الإمارات، مريم الهاشمي، والكاتب والناقد، عمر عبدالعزيز. حيث ناقشوا حياة الأديب من فقدانه للبصر ومواقفه وبما اُعتبر ثورة فكريّة وجدلٍ واسعٍ أثاره الأديب في منشوراته النقديّة والفكريّة.
وكانت الأمسية جزءاً من فعالية تحت عنوان “الأيام” أُقيمت في 17 و18 تشرين الثاني (نوفمبر). وتضمنت الفعالية أمسيتين ثقافيتين، ومناقشة كتاب “الأيام” للكاتب، وعرض فيلم “دعاء كروان” المقتبس عن الرواية التي تحمل الاسم نفسه.
من هو؟
وطه حسين كان أديباً ومفكراً وناقداً مِصرياً ولد في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1889، وتوفي في 28 تشرين الأول (أكتوبر) 1973. لُقب بعميد الأدب العربيّ، وكتب في السيرة الذاتية، والرواية، والعمل النقدي، ومن أبرز منشوراته هو كتاب “الأيام”، سيرته الذاتية.
أُصيب بالعمى في سن الرابعة “خلال لحظةٍ حرجةٍ أثرت على نفسيته بالاستجابة لتحدّيات الحياة والفكر”، وفقاً لعبدالعزيز. واستدرك “تعددية منابع ثقافية وفكريّة ساهمت في نمو حاسة السمع لدى الأديب، مثل حفظه للقرآن الكريم، وكونه أزهرياً، وتأثره بالعلوم المرتبط بالدين الإسلامي”.
وكان طه حسين “يهتم أيضاً في التحقق من بعض الثوابت المتعلقة بالإسلام”، حسبما أفاده عبدالعزيز. وسلّط الضوء على “موقف المفكّر الذي اكتسبه من فكر الراهب الألماني وأستاذ اللاهوت، مارتن لوثر، الذي كان يفصل الدين عن العلم، معتبراً أنّ كلّاً منهما مختلفاً عن الآخر”.

وبسؤالٍ من المحاورة، الهاشمي، عن الهجوم الذي تعرّض له طه حسين فيما يتعلّق بتحاليله النقدية عن الشعر الجاهلي، نوّه عبدالعزيز أنّ “مس طه حسين لمدوّنات تاريخية في العالم العربي كان ليس في شأن الجاهلي فقط، بل لكلّ المدوّنات. وهذا أغضب علماء دين ومحافظين لعدم رغبتهم لإعادة تصنيف محتويات هامة”.
وأضاف عبدالعزيز أنّ “طه حسين تأثر من مناهج فلسفية مثل منهج التشكيك لدى الفيلسوف الفرنسي، رينيه ديكارت”. ولكن عارضه أستاذ الأدب الحديث والنقد الأدبي في جامعة وصل بدبي، رشيد بو شعير، في مداخلةٍ، قائلاً إنّ الأديب “لم يتأثر منه وإنما التقط خيط الشك من ناقد عربي قديم، ابن السلام الجمحي، صاحب كتاب طبقات فحول الشعراء”. وشدد على أنّه “أول ناقد أثار قضية الانتحال بالشعر وقدّم أدلة مقنعة”.
“ورغم روايات طه حسين الإبداعية وسيره الذاتية، كان ناقداً يرجع إليه الفضل وجعل النقد الأدبي نقداً موضوعياً مبتعداً عن الذاتية والانطباعية”، وفقاً لما أضافه بو شعير في مداخلته. وأشار إلى أمثلة لمنشورات نقدية للأديب، مثل كتاب “حديث الأربعاء”.
ما بين مؤيد ومعارض
بسؤالٍ من (MBRSCPOST) عن التأثير الذي جلبه تحليل طه حسين النقدي للشعر الجاهلي، أعربت كاتبة الرواية والقصص القصيرة، فتحية النمر، عن “استغرابها حيال الغضب الكبير اتجاه تشكيك الأديب في مدوّنات تاريخية”.
وشددت على “أهمية إيجاد مفردات وتفاصيل ومسميات لم تكن موجودة في العصر الجاهلي. وهذا قد يثبت فعلاً أنّ الشعر منحول من عصور ما قبل الجاهلية، أو حتى من العصر الإسلامي”.
وبينما يؤيد أستاذ الأدب، بو شعير، فكر الأديب، أشار إلى “مبالغته في تعميم شكوكه لجميع القصائد الجاهلية. حيث لا يُعقل أن تكون جميعها منحولة”.
ورغم تسليط الضوء على ثورته الفكريّة، عبّر بو شعير ل(MBRSCPOST) عن استيائه حيال “عدم مناقشة الأديب جدله هذا بشكلٍ أعمق، حيث ظل منعكفاً في مسجده بعدما انعزل من منصبه”. واستدرك بأنّ الأديب “استفاد من الخلوة، لأنّه كتب خلالها كتاب الأيام، كتاب مهم في الأدب العربي الحديث”.
وبصرف النظر عن اتفاق النمر مع طه حسين بما يتعلّق بالشعر الجاهلي، إلا أنّها اعتبرته “متعالياً على الدين الإسلامي عندما روّج لفكرة فصل الدين عن العلم” وغيرها من أفكار تعمّق بها الأديب عند اهتمامه بالفكر الإسلامي، مشيرةً إلى “تأثير زوجته الفرنسية، سوزان بريسو، عليه، نظراً إلى الاختلافات الدينية والأسرية التي كانت موجودةً بينهما”.
ومن جهته، شدد بو شعير بأنّ طه حسين كان “أزهرياً ومؤمناً ويحترم القرآن، حتّى وإن أراد البعض اتهامه بالزندقة رغم براءته”.


حياة طه حسين
فقد طه حسين بصره عندما عانى من رمد في عينيه، وأصطحبته عائلته إلى الحلّاق، ووصف له وصفةً ذهب معها البصر.
وعمّا إذا كان فقدانه للبصر هو إحدى العوامل التي ساهمت في نمو إراداته، اعتبر كلٌّ من الكاتبة، النمر، وأستاذ الأدب الحديث، بو شعير، بأنّه “رغم الصعوبة أراد الأديب إثبات وجوده وتأكيد ذاته بأنّه ما زال يستطيع المجيء بما لم يأتي به أقرانه ومعاصروه، والتعويض عن ما فاته بطريقة مميزة”.
1 Pingback